صمت دولي وتهجير قسري لسكان مخيمات الشهباء وتل رفعت في ريف حلب

تقارير وبيانات

12/7/2024

المقدمة

هذا التقرير يوثق الانتهاكات الجسيمة التي تعرض لها المدنيون الكرد من سكان مدينة تل رفعت ومخيمات الشهياء في ريف مدينة حلب، نتيجة التصعيد العسكري الأخير الذب بدأ في 27.11.2024، مع التركيز على المعاناة الإنسانية الناجمة عن هذه الانتهاكات. كما يسعى التقرير إلى تقديم توصيات عملية تهدف إلى تأمين الحماية الفورية للمدنيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، ومحاسبة الجهات المسؤولة عن الانتهاكات وفقًا للقانون الدولي.

الإطار الزمني والمكاني

يغطي التقرير الانتهاكات التي حدثت خلال الأسبوع الأخير في المناطق التي شهدت تصعيدًا عسكريًا، بما في ذلك مدينة حلب، تل رفعت، ومخيمات الشهباء. كما يشمل الانتهاكات المستمرة التي يتعرض لها المهجرون الكرد منذ العملية العسكرية التركية على عفرين في عام 2018.

مصادر البيانات

تم إعداد هذا التقرير بالاعتماد على مصادر موثوقة ومتعددة، بما في ذلك:

- شهادات شهود عيان وأقارب الضحايا.

- تقارير حقوقية صادرة عن منظمات محلية ودولية.

- صور ومقاطع فيديو توثق الانتهاكات.

معلومات تم جمعها من خلال مقابلات مباشرة مع المتضررين، بالإضافة إلى تحليلات إعلامية وتقارير إخبارية موثوقة.

يهدف التقرير إلى تقديم صورة شاملة وموثقة للوضع الميداني، بما يسهم في زيادة الوعي الدولي حول هذه الانتهاكات، ودعم الجهود الرامية إلى وضع حد لها وتحقيق العدالة للضحايا.

السياق العام

شهدت سوريا في الآونة الأخيرة تصعيدًا كبيرًا في الأوضاع الأمنية والإنسانية، مع بدء الفصائل المعارضة السورية، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام هجومًا واسعًا استهدف مدينة حلب وأرياف حماه الشمالية. تزامن هذا التصعيد مع تحركات الفصائل الموالية لتركيا التي سيطرت على مدينة تل رفعت، مما أدى إلى تهجير واسع للسكان المدنيين، وفاقم الوضع الإنساني المتدهور أصلاً.

في شمال سوريا، تتواصل معاناة المهجرين الكرد، خصوصًا في مخيم الشهباء والمناطق المحيطة، حيث يواجه السكان حصارًا خانقًا تفرضه فصائل الجيش الوطني السوري المدعومة من أنقرة، مع تهديدات مستمرة باجتياح المنطقة. هؤلاء المهجرون، الذين سبق وتهجروا قسرًا من مدينة عفرين عقب العملية العسكرية التركية في عام 2018، يعيشون اليوم في ظروف مأساوية، في ظل انعدام الخدمات الأساسية، وشح حاد في المواد الغذائية والطبية.

يعكس التصعيد الأخير تهديدًا مباشرًا لحياة المدنيين وكرامتهم، في ظل صمت دولي يثير خيبة الأمل، وانعدام الاستجابة الإنسانية لأي طارئ قد يهدد آلاف الأسر التي تعيش في ظروف غاية في الهشاشة.

وثقت رابطة دار لضحايا التهجير القسري، بالتعاون مع عدد من المنظمات الحقوقية، سلسلة من الانتهاكات الجسيمة التي طالت الكرد السوريين في مناطق تل رفعت، مخيمات الشهباء، وأحياء الشيخ مقصود والأشرفية. تفاقمت هذه الانتهاكات بشكل كبير منذ دخول هيئة تحرير الشام إلى مدينة حلب، تزامناً مع هجمات نفذتها قوات الجيش الوطني السوري المدعومة من تركيا، والتي استهدفت المدن والمخيمات التي يقطنها السكان الكرد.

أبرز الانتهاكات الموثقة:

1- التهجير القسري:

شهدت المنطقة عمليات تهجير واسعة النطاق، أجبرت آلاف المدنيين على مغادرة منازلهم ومخيماتهم تحت تهديد العنف والقصف المستمر، حيث بلغ عدد المهجرين قسراً من مخيمات الشهباء ومناطق تل رفعت قرابة الـ 180 ألف شخص بينهم نساء وأطفال وكبار السن.

2- القصف العشوائي:

طالت الهجمات المناطق السكنية، متسببةً بخسائر كبيرة وأضرار مادية جسيمة، مما جعل الحياة اليومية للسكان محفوفة بالمخاطر.

3- الاعتقالات التعسفية والانتهاكات الممنهجة:

شملت عمليات الاعتقال التعسفي رجالاً ونساءً دون مسوغ قانوني، إلى جانب اعتداءات جسدية وانتهاكات بحق النساء والأطفال، في إطار سياسة ممنهجة تهدف إلى ترويع السكان ودفعهم نحو التهجير، بالأخص في مدينة عفرين حيث تم اعتقال أكثر من 70 شخصاً من العائدين إلى المدينة.

استهداف عائلة مدنية:

قُتل جمال مرسل وابنه حسن مرسل (24 عاماً)، وأصيبت زوجته وابنته بجروح خطيرة، جراء قصف استهدف سيارتهم في منطقة شيحان بمدينة حلب.

مقتل مسن وإصابة زوجته:

لقي المسن الكردي الإيزيدي أحمد حسو مصرعه، بينما أصيبت زوجته بجروح بالغة إثر إطلاق نار استهدفهما أثناء عودتهما إلى قريتهما قيبار في عفرين، بعد فرارهما من العمليات العسكرية في منطقة الشهباء.

اختطاف وابتزاز:

اختطف رجل وزوجته في تل رفعت على يد عناصر من الجيش الوطني السوري، وتمت مطالبة عائلتهما بفدية مالية كبيرة لإطلاق سراحهما.

اعتقالات جماعية:

نفذت قوات الجيش الوطني السوري عمليات اعتقال جماعية في منطقة الشهباء، استهدفت المدنيين الذين بقوا في منازلهم ولم يتمكنوا من الهرب.

جريمة قتل مروعة:

قُتل المعارض الكردي عبدو عبد المنان عبد الله على يد عناصر من الجيش الوطني عقب تعرضه للضرب المبرح خلال مشادة كلامية، علماً أنه كان قد أمضى ثماني سنوات في سجون نظام الأسد.

اعتداءات موثقة بالفيديو:

أظهرت مقاطع مصورة اعتداء عناصر من الجيش الوطني السوري على محتجزين كرد في تل رفعت، حيث تم توثيق الضرب المبرح، والإهانة، والدعس على أجساد الضحايا، إلى جانب الشتائم الموجهة للنساء.

هجوم على قافلة مهجرين:

شنت قوات الجيش الوطني السوري هجوماً على قافلة لمهجري عفرين المحاصرين في قرية تل قراح، واعتقلت عدداً من الشباب.

انتحار بسبب اليأس:

أقدم المدني الكردي عبد الرحمن مرشد على الانتحار في منطقة الشهباء نتيجة الخوف والإحباط الناجم عن التهجير المتكرر واستمرار الانتهاكات، تاركاً عائلته تبحث عن ملاذ آمن.

التهجير الجماعي المتكرر:

شهدت مدينة تل رفعت والقرى المحيطة بها، إلى جانب مخيمات الشهباء، موجة تهجير جماعي جديدة هي الثانية من نوعها. شملت هذه العملية نحو 180 ألف مدني، جميعهم كانوا قد تعرضوا للتهجير من عفرين بعد الاحتلال التركي عام 2018.

ففي ظل التصعيد الأخير والهجمات التي شنتها فصائل المعارضة على عدة مدن سورية، تعرضت العديد من العائلات للتهجير القسري نحو شمال شرق سوريا. ووفقًا للتقديرات الأولية، فقد بلغت عدد العائلات المهجرة أكثر من 20 ألف عائلة إلى مدينة الرقة والطبقة، حيث تم افتتاح 235 مركز إيواء في الطبقة، و 60 مركزاً في الرقة، كما بلغ عدد العائلات المهجرة 1,726 عائلة، توزعوا على مدن ومناطق مختلفة في محافظة الحسكة حيث تشهد هذه المناطق جهودًا كبيرة لتوفير مراكز إيواء مناسبة لاستقبالهم.

أماكن التوزيع ومراكز الإيواء:

في القامشلي، تم إنشاء مراكز إيواء متعددة، منها مراكز ثقافية، وأكاديميات مثل أكاديمية البلديات وأكاديمية السينما، بالإضافة إلى توفير خيم عائلية لتلبية احتياجات المهجرين.

وفي الحسكة استضافت عددًا كبيرًا من العائلات المهجرة في مواقع مختلفة، من بينها مقرات أكاديمية، ومساكن شبابية، ومدارس، إلى جانب مواقع أخرى مثل جامع رشو ومساكن عفرين.

أيضاً في ديريك (المالكية) خصصت مساكن كتيبة ومخيم نوروز ومدرسة وحيد مراد لتوفير الدعم والمأوى للعائلات المهجرة.

وفي عامودا، تم تخصيص مدارس وأكاديميات مثل مدرسة المعري والبيت الإيزيدي لاستقبال العائلات.

إحصاءات التوزيع:

استقبلت تل كوجر 19 فردًا بشكل مبدئي، في حين توزعت بقية العائلات على المدن الأخرى، بما في ذلك تربسبیه، الشدادي، جل آغا، عامودا، الحسكة، القامشلي، والدرباسية.

هذا التوزيع يعكس الجهود المبذولة من قبل المجتمعات المحلية والمنظمات لتوفير ملاذ آمن للعائلات المهجرة. ومع استمرار الأزمة، يُعول على تكثيف الدعم الإنساني لتلبية احتياجات المهجرين قسرًا وضمان حصولهم على ظروف معيشية كريمة.

المسؤولية والمساءلة

1- الجماعات المسلحة:

تتحمل هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) مسؤولية مباشرة عن الهجمات التي استهدفت مدينة حلب وأرياف حماه الشمالية، حيث نفذت عمليات عسكرية أدت إلى نزوح واسع النطاق وانتهاكات جسيمة بحق المدنيين.

الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا مسؤول عن التهجير القسري للسكان الكرد في تل رفعت ومخيم الشهباء، إضافة إلى الاعتقالات التعسفية والانتهاكات الموثقة.

2- الدولة التركية:

بدورها، تتحمل الدولة التركية المسؤولية المباشرة لدعمها اللوجستي والعسكري للفصائل المسلحة التي نفذت هذه الانتهاكات، مما يضعها تحت طائلة القوانين الدولية كدولة راعية ومسهّلة للانتهاكات.

3- الجهات الدولية:

المجتمع الدولي والمنظمات الدولية مسؤولون عن التقاعس في الاستجابة لحماية المدنيين، مما سمح باستمرار هذه الانتهاكات دون تدخل فاعل.

التوصيات:

هذه الانتهاكات والجرائم لا تمثل فقط انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، بل تعكس واقعًا مأساويًا يعانيه المدنيون الكرد في سوريا تحت وطأة التصعيد العسكري وانعدام الحماية الدولية. إن استمرار هذه الجرائم دون محاسبة لا يزيد فقط من تعقيد الأزمة، بل يهدد بإطالة أمدها، ما يجعل التدخل الدولي العاجل ضرورة لا تحتمل التأجيل لتأمين الحماية الفورية للمدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المنكوبة.

في ظل هذه الظروف المأساوية، تدعو رابطة دار لضحايا التهجير القسري المجتمع الدولي والحكومات والجهات المعنية إلى اتخاذ خطوات حاسمة لإنهاء معاناة المدنيين.

- وقف العمليات العسكرية التي تستهدف المناطق السكنية والمدنيين العزل فورًا.

- توفير الحماية القانونية والإنسانية للمهجرين وضمان احترام حقوق الإنسان وفق القوانين الدولية.

- تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة دون قيود.

- توفير دعم فني وإنساني عاجل لتخفيف معاناة المهجرين، بما يشمل الغذاء، الرعاية الصحية، والمأوى.

- تكثيف الضغط الدبلوماسي والسياسي على الأطراف المسؤولة لإنهاء الحصار المفروض على مخيمات النازحين والمناطق السكنية.

- مراقبة وتنفيذ القوانين الدولية لضمان حماية المدنيين ومساءلة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية.

- تعزيز الوعي بشأن الانتهاكات الموثقة، وزيادة المشاركة في حملات الضغط الدولية لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.

- تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمهجرين لتخفيف الآثار السلبية للتهجير القسري على الأفراد والمجتمع.

إن رابطة دار تشدد على أن تجاهل معاناة المدنيين واستمرار تقاعس المجتمع الدولي عن التحرك سيؤدي إلى نتائج كارثية على حياة المدنيين، خاصة النساء والأطفال وكبار السن. كما تطالب الرابطة بإجراء تحقيقات مستقلة وشفافة بشأن الجرائم المرتكبة، ومحاسبة الأطراف المسؤولة عن هذه الانتهاكات لضمان عدم إفلاتها من العقاب.

إن التحرك العاجل والمسؤولية الجماعية هما السبيل الوحيد لتخفيف معاناة المدنيين وإعادة الأمل للسكان المتضررين في مناطق النزاع، والحفاظ على كرامة الإنسان والعدالة في مواجهة هذه الكارثة الإنسانية.

رابطة دار لضحايا التهجير القسري ( DAR )