جلسة نقاش حول العودة الطوعية للمهجرين قسراً وفق اتفاق قسد والحكومة المؤقتة
تقارير وبيانات
5/24/2025


نظّمت رابطة دار لضحايا التهجير القسري جلسة نقاش مركزة في مقرها بمدينة القامشلي، حول "العودة الطوعية للمهجرين\ات قسراً وفق الاتفاق الموقع بين قوات سوريا الديمقراطية والحكومة السورية المؤقتة"، بحضور عدد من الناشطين المدنيين والمهجرين وممثلي منظمات المجتمع المدني.
يسّرت الجلسة مديرة البرامج في الرابطة، شيرين إبراهيم، وتركز النقاش حول أبرز القضايا المتعلقة بعودة المهجرين، وعلى رأسها الضمانات المطلوبة، الرسائل السياسية المتبادلة، ودور المجتمع المدني في مراقبة وتيسير تطبيق الاتفاق.
استندت الجلسة إلى أحد البنود الأساسية في الاتفاق الموقع بين مظلوم عبدي، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، وأحمد الشرع، رئيس البلاد في المرحلة الانتقالية، بتاريخ 10 آذار/مارس 2025، والذي نصّ على:
* ضمان عودة كافة المهجرين السوريين إلى بلداتهم وقراهم مع توفير الحماية لهم من قبل الدولة السورية.
* تشكيل لجان تنفيذية لتطبيق بنود الاتفاق قبل نهاية عام 2025.
آلاف العائلات المهجرة تنتظر العودة إلى ديارها
رغم انقضاء أكثر من خمسة أشهر على سقوط النظام السوري في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، لا تزال آلاف العائلات المهجرة قسراً تقبع في مخيمات النزوح المنتشرة على امتداد الجغرافيا السورية، في انتظار اللحظة التي تعود فيها إلى منازلها ومدنها.
ورغم تحسن إمكانية التنقل داخل الأراضي السورية، إلا أن واقع العودة الطوعية لا يزال يواجه تحديات كبيرة، خاصة في مناطق مثل عفرين، سري كانيه (رأس العين)، وتل أبيض، إذ تبقى أبواب هذه المناطق مغلقة أمام أبنائها، وسط إشكاليات أمنية وإدارية لم تُحل بعد.
في هذا السياق، أكدت كلجين محمد، مسؤولة العلاقات في مجلس المرأة السورية، أن "الحل الجذري يبدأ من الحكومة في دمشق"، مشددة على ضرورة إعادة رسم خارطة سوريا السياسية، والاعتراف بأن تركيا "دولة احتلال" لأراضٍ سورية.
وأضافت محمد: "المقاربة الشاملة لملف العودة يجب أن تنطلق من الاعتراف بتعقيدات كل منطقة وفق خصوصيتها الجغرافية والسياسية، لا يمكن الحديث عن عودة آمنة دون تحديد من يدير هذه المناطق ومن يضمن حمايتها"، مشيرة إلى أن العودة الطوعية تتطلب وضوحاً في الرؤية السياسية، وتنسيقاً شاملاً بين كافة الأطراف المحلية والدولية.
ضمانات العودة: شرط أساسي لحماية كرامة وسلامة المهجرين قسراً
في ظل النقاشات المتصاعدة حول ملف العودة الطوعية للمهجرين\ات قسراً، أجمع المشاركون في الجلسة النقاشية التي نظمتها رابطة دار، على أن الضمان الأمني يمثل الركيزة الأساسية لعودة المهجرين إلى مدنهم وقراهم، مؤكدين أن أي حديث عن إفراغ المخيمات يبقى بلا معنى ما لم يُقرن بخطوات حقيقية لبناء الثقة.
وفي هذا السياق، نقل جابر جندو، منسق منظمة "ئيمة" في شمال شرقي سوريا، وجهة نظر أحد مهجري مدينة سري كانيه، قائلاً: "كيف سنعود دون ضمانات؟ وكيف يمكن الوثوق بتلك الفصائل والجهات التي تسيطر حالياً على المدينة، وهم أنفسهم من نهبوا منازلنا وارتكبوا الانتهاكات بحق سكانها"، مضيفاً أن العودة لا يمكن أن تتحقق إلا عبر جهة موثوقة تضمن الحماية له ولعائلته.
بدوره، اعتبر لقمان عيسى، الرئيس السابق لبلدية سري كانيه، أن "تشكيل بنية اجتماعية وأمنية من أبناء المنطقة هو عنصر أساسي لتحقيق الأمان المطلوب"، مطالباً أيضاً بسنّ قوانين تضمن حقوق المهجرين قسراً، وتكفل استعادة أملاكهم المنهوبة وتعويضهم مادياً.
تشير هذه المواقف إلى مدى التعقيد الذي يواجه ملف العودة، وتؤكد أن تحقيقها لا يمكن أن يتم إلا عبر ضمانات أمنية وقانونية واضحة، تُعيد ثقة السكان بمستقبلهم وتحفظ كرامتهم بعد سنوات من النزوح والتهجير.
دعوات لتعزيز دور المجتمع المدني
في ظل استمرار معاناة المهجرين قسراً داخل مخيمات النزوح، وتفاقم التحديات الإنسانية التي يواجهونها، شدّد المشاركون في الجلسة النقاشية أن قضية التهجير القسري تمثل إحدى أبرز الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في سوريا، وتتطلب تحركاً عاجلاً من جميع الأطراف المعنية لإيجاد حلول عادلة ومستدامة تضمن عودة كريمة وآمنة للمهجرين\ات قسراً إلى مناطقهم الأصلية.
وأكدت الباحثة رؤى النايف على أن "الاعتراف بالضحايا بوصفهم فاعلين أساسيين في مستقبل البلاد هو مدخل أساسي لأي حل حقوقي حقيقي"، مشيرة إلى أن اختزالهم في صورة متلقين للمساعدات أو مستهدفين بحلول مؤقتة يكرس التهميش ولا يخدم العدالة الانتقالية، وشددت النايف على أن "العودة الطوعية يجب أن تُبنى على أساس ضمان الحماية الفعلية للعائدين"، داعية إلى تفعيل دور منظمات المجتمع المدني كشريك رقابي وحقوقي فاعل من خلال تشكيل لجان ميدانية لرصد الأوضاع الأمنية، توثيق الانتهاكات، وضمان عدم تكرار أنماط التهجير السابقة.
من جهتها، اعتبرت الباحثة الميدانية في منظمة بيل، خناف عثمان، وهي مهجرة قسراً من مدينة عفرين، أن "تأمين العودة يتطلب تشكيل لجنة مشتركة تضم ممثلين عن قسد، ومنظمات المجتمع المدني، والمثقفين، وأهالي المهجرين"، تكون مهمتها الإشراف على عمليات العودة، وضمان تأمين البنية التحتية الأساسية، وتوفير مقومات الحياة الكريمة للعائدين.
مداخلات الحضور أكدت على أهمية الاعتراف بالمهجرين ليس كضحايا فقط إنما كأصحاب حقوق، وحمّلت المسؤولية القانونية والإنسانية للجهات الفاعلة لضمان عودة آمنة وطوعية ومستدامة، قائمة على مبدأ الإنصاف وجبر الضرر، وبمشاركة فعلية من المجتمع المدني في عملية المراقبة والتنفيذ.
توصيات حقوقية بشأن العودة الطوعية والكريمة للمهجرين قسراً
استناداً إلى النقاشات والمداخلات التي شهدتها الجلسة، خرج المشاركون بمجموعة من التوصيات التي تستند إلى مبادئ القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والتي تؤكد على ضرورة ضمان عودة طوعية، آمنة، وكريمة للمهجرين\ات قسراً، وفق الضوابط والمعايير الدولية المعتمدة:
* التأكيد على أن أي خطة للعودة يجب أن تستند إلى ضمانات أمنية، قانونية، سياسية، إدارية ودولية، باعتبارها الركيزة الأساسية لضمان حماية العائدين ومنع تكرار الانتهاكات.
* ضرورة وجود جهة ضامنة تحظى بثقة المهجرين، تتكفل بضمان أمنهم وسلامتهم وتدير عملية العودة بشفافية وحيادية.
* التأكيد على حق المهجرين في الاطلاع على خطط العودة والمشاركة الفاعلة في المفاوضات ذات الصلة، لا سيما في لجنة تنفيذ البند المتعلق بعودتهم في الاتفاق الموقع بين قوات سوريا الديمقراطية والحكومة السورية المؤقتة.
* الدعوة إلى إنشاء هيئة حكومية مشتركة تُعنى بإعادة المهجرين\ات داخلياً، وتنسق مع المنظمات الدولية المعنية لضمان التزام العملية بالمعايير الحقوقية.
* المطالبة بوضع برنامج شامل للعدالة الانتقالية يتضمن: تعويضات مالية منصفة، واسترداد الممتلكات المنهوبة، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة، بما في ذلك استخدام الأسلحة المحرمة دولياً في سري كانيه/رأس العين، والجرائم البيئية في عفرين.
* جعل قضية المهجرين جزءاً لا يتجزأ من مسارات العدالة الانتقالية، والمصالحة المجتمعية، والتخطيط لإعادة الإعمار، باعتبارها قضية ترتبط بحقوق المواطنة الكاملة، ولا يمكن تجاهلها في أي حل مستقبلي عادل وشامل لسوريا.
* الدعوة إلى إنهاء سيطرة الفصائل المسلحة التابعة لتركيا على المناطق المحتلة، وفتح ممرات آمنة لانسحابهم مع عائلاتهم إلى أماكن سكنهم الأصلية.
* المطالبة بالإفراج الفوري عن المعتقلين لدى الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا، وكذلك المعتقلين داخل الأراضي التركية، بصفتهم محتجزين خارج الأطر القانونية.
* ضرورة تنفيذ برامج مستدامة لمكافحة خطاب الكراهية، وتعزيز مفاهيم التعايش المشترك والاندماج المجتمعي، مع معالجة آثار التغيير الديمغرافي الذي طرأ خلال سنوات التهجير.
* دعم تشكيل مجالس محلية، أمنية وعسكرية من أبناء المناطق أنفسهم، وفق آليات يقرّونها بأنفسهم لضمان التمثيل والشرعية الشعبية.
* حث منظمات المجتمع المدني على الاستمرار في توثيق الانتهاكات، وإطلاق حملات مناصرة لقضية العودة الآمنة والكريمة، والتشبيك مع منظمات المجتمع المدني في سائر المحافظات السورية لتوحيد الجهود.
في ختام الجلسة الحوارية، أجمع المشاركون على أهمية قضية المهجرين قسراً بوصفها أولوية إنسانية وحقوقية لا تحتمل التأجيل، مؤكدين أن تسليط الضوء على هذه القضية يجب أن يتصدر أجندة العمل المدني خلال المرحلة القادمة، وأن هذه التوصيات تشكل خارطة طريق حقوقية مستندة إلى المعايير الحقوقية الدولية، لضمان العودة الطوعية والآمنة للمهجرين قسراً، واسترداد ممتلكاتهم المنهوبة، وإنصافهم بعد سنوات طويلة من التهجير والحرمان، فمنذ توقيع الاتفاق، لم يُسجل أي تقدم في تنفيذ الالتزام بإعادة المهجرين\ات قسراً من أبناء مدن عفرين، رأس العين "سري كانيه"، وتل أبيض إلى مناطقهم.