"هيومن رايتس ووتش: ما تقوم به تركيا في سوريا جريمة "حرب محتملة
تقارير وبيانات
3/9/2024


واظبت منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية منذ احتلال القوات التركية وفصائل ”الجيش الوطني السوري” لمنطقة عفرين في آذار 2018، ثم قيامهما بعملية أخرى انتهت لاحتلال منطقتي رأس العين (سرى كانيه) وتل أبيض أواخر عام 2019، على نشر تقارير سنوية تشير إلى حصول انتهاكات حدثت في المنطقتين فضلاً عن تأكيدها على وصف التواجد التركي بالاحتلال الأمر الذي يحمّل أنقرة المسؤولية والموجبات القانونية والإنسانية الكاملة لتواجدها في الشمال السوري، إلّا أن تقريرها الأخير الصادر بالتزامن مع الذكرى السنوية الثامنة لاحتلال عفرين، والذي حمل اسم ”كل شيء بقوة السلاح”، اتسم بالشمول والتوسّع في جمع الأدلة والشهادات حول ارتكاب سلسلة من الانتهاكات والإفلات من العقاب في شمال سوريا الذي تحتله تركيا. فيما يتضمن التقرير توصيات لمختلف الكيانات ويغطي معلومات أساسية حول الموضوع وحول الاحتلال العسكري التركي للمنطقة والانتهاكات المتعلقة بالاحتجاز، وانتهاكات حقوق السكن والأراضي والملكية، وبالشكل الذي يوفر منهجية للتحقيق وتعقّب الجناة.
وطبقاً للمقدمة فإنّ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺘﺮﻛﯿﺔ صرّحت أﻧﮭﺎ ﺗﮭﺪف إﻟﻰ ﺗﺤﻮﯾﻞ اﻟﻤﻨﺎطﻖ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﻠﮭﺎ إﻟﻰ ”ﻣﻨﺎطﻖ آﻣﻨﺔ”، وذﻟﻚ عبر إﻧﺸﺎء ﻣﻨﻄﻘﺔ أﻣﻨﯿﺔ ﻋﺎزﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺪودھﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ واﺳﺘﯿﻌﺎب ﻋﻮدة اﻟﻼﺟﺌﯿﻦ اﻟﺴﻮرﯾﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﻌﯿﺸﻮن ﻓﻲ ﺗﺮﻛﯿﺎ. ﻟﻜﻦ ھﺬه اﻟﻤﻨﺎطﻖ ﻟﯿﺴﺖ آﻣﻨﺔ، ﻓﮭﻲ ﺗﺰﺧﺮ ﺑﺎﻧﺘﮭﺎﻛﺎت ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺗﻜﺒﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎم اﻷول ﻓﺼﺎﺋﻞ ﻣﻦ ”اﻟﺠﯿﺶ اﻟﻮطﻨﻲ اﻟﺴﻮري”، وﺗﺘﺴﻢ ﺣﯿﺎة ﺳﻜﺎن اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺒﺎﻟﻎ ﻋﺪدھﻢ 1.4 ﻣﻠﯿﻮن ﻧﺴﻤﺔ ﺑﺎﻟﻔﻮﺿﻰ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﯿﺔ واﻧﻌﺪام اﻷﻣﻦ، إذ ﻗﺎل أﺣﺪ اﻟﺴﻜﺎن اﻟﺴﺎﺑﻘﯿﻦ اﻟﺬي ﻋﺎش ﺗﺤﺖ ﺣﻜﻢ ”اﻟﺠﯿﺶ اﻟﻮطﻨﻲ” ﻟﻤﺪة ﺗﻘﻞ ﻋﻦ ﺛﻼث سنوات إن: ”كل شيء بقوة السلاح”، وهي العبارة التي غدت عنوان التقرير الذي امتد على أكثر من 90 صفحة.
واﺳﺘﻨﺎداً إﻟﻰ ﻣﻘﺎﺑﻼت ﻣﻊ 58 شخصاً ﻣﻦ اﻟﻀﺤﺎﯾﺎ واﻟﻨﺎﺟﯿﻦ وأﻗﺎرب وﺷﮭﻮد ﻋﻠﻰ اﻻﻧﺘﮭﺎﻛﺎت، فضلاً ﻋﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻣﻤﺜﻠﻲ اﻟﻤﻨﻈﻤﺎت ﻏﯿﺮ اﻟﺤﻜﻮﻣﯿﺔ واﻟﺼﺤﻔﯿﯿﻦ واﻟﻨﺸﻄﺎء واﻟﺒﺎﺣﺜﯿﻦ، فإن التقرير ﯾﻮﺛﻖ ﻋﻤﻠﯿﺎت اﻻﺧﺘﻄﺎف واﻻﻋﺘﻘﺎل اﻟﺘﻌﺴﻔﻲ واﻻﺣﺘﺠﺎز ﻏﯿﺮ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ، واﻟﺘﻌﺬﯾﺐ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻔﺼﺎﺋﻞ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ وﯾﻜﺸﻒ اﻟﻔﺸﻞ اﻟﺬرﯾﻊ ﻟﻤﻌﻈﻢ ﺗﺪاﺑﯿﺮ اﻟﻤﺴﺎءﻟﺔ اﻟﺘﻲ طﺮﺣﺖ ﻓﻲ اﻟﺴﻨﻮات اﻷﺧﯿﺮة ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺤﺪ ﻣﻦ اﻻﻧﺘﮭﺎﻛﺎت أو ﺗﻘﺪﯾﻢ اﻟﺘﻌﻮﯾﻀﺎت ﻟﻠﻀﺤﺎﯾﺎ
ومع أن اﻟﺠﯿﺶ اﻟﻮطﻨﻲ اﻟﺴﻮري ﯾﺘﺒﻊ رﺳمياً ﻟﻮزارة اﻟﺪﻓﺎع ﻓﻲ ”اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺴﻮرﯾﺔ اﻟﻤﺆﻗﺘﺔ”، إلا أنها تتبع في ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻤﻄﺎف ﻟﻠﻘﻮات اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﺔ ووﻛﺎﻻت اﻻﺳﺘﺨﺒﺎرات اﻟﺘﺮﻛﯿﺔ. ﻗﺎل ﻣﺼﺪران ﻣﻄﻠﻌﺎن ﻟﮭﻤﺎ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﺒﺎﺷﺮة ﺑﺎﻷﻋﻤﺎل اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ ﻟﻠﺠﯿﺶ اﻟﻮطﻨﻲ اﻟﺴﻮري ﻟـ ھﯿﻮﻣﻦ راﯾﺘﺲ ووﺗﺶ إن ﻗﻮات اﻟﺸﺮطﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﺔ واﻟﻤﺪﻧﯿﺔ اﻟﺘﻲ أﻧﺸِﺄت ﺗﺤﺖ إﺷﺮاف اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻤﺆﻗﺘﺔ ﻟﻔﺮض ﺳﯿﺎدة اﻟﻘﺎﻧﻮن ﻓﻲ أﻋﻘﺎب ﻣﺰاﻋﻢ ﻋﻦ ﺗﻔﺸﻲ اﻻﻧﺘﮭﺎﻛﺎت ﺗﺨﻀﻊ أﯾﻀﺎ ﻟﻠﻘﻮات اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﺔ ووﻛﺎﻻت اﻟﻤﺨﺎﺑﺮات اﻟﺘﺮﻛﯿﺔ. ﻗﺎل أﺣﺪھﻤﺎ ”ﻻ ﺷﻲء ﯾﺤﺪث دون ﻋﻠﻤﮭﻢ”
التغيير الديمغرافي والتهجير القسري كسياسة تركية منتظمة
ﻣﻊ ﻓﺮار ﻋﺸﺮات اﻵﻻف ﻣﻦ اﻷﺷﺨﺎص إﻟﻰ أﺟﺰاء أﺧﺮى ﻣﻦ ﺳﻮرﯾﺎ، وﺧﺎرﺟﮭﺎ، أﺛﻨﺎء اﻟﺘﻮﻏﻞ اﻟﺘﺮﻛﻲ ﻓﻲ ﻋﻔﺮﯾﻦ، ﺳﺎرﻋﺖ اﻟﺴﻠﻄﺎت اﻟﺘﺮﻛﯿﺔ إﻟﻰ ﺗﻨﺴﯿﻖ إﻋﺎدة ﺗﻮطﯿﻦ ﻣﺌﺎت اﻟﻌﺎﺋﻼت اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ اﻟﻨﺎزﺣﺔ ﻣﻦ اﻟﻐﻮطﺔ اﻟﺸﺮﻗﯿﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺎزل اﻟﺴﻜﺎن الكرد ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ وﺻﻞ اﻟﻌﺪﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﺋﻼت اﻟﻨﺎزﺣﺔ ﻣﻦ اﻟﻐﻮطﺔ ورﯾﻒ دﻣﺸﻖ وﺷﻤﺎل ﺣﻤﺎة وإدﻟﺐ، ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻋﺎﺋﻼت اﻟﻤﻘﺎﺗﻠﯿﻦ اﻟﻤﻨﺘﺸﺮﯾﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ إﻟﻰ ﻋﻔﺮﯾﻦ.
اﻟﮭﺪف اﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﻤﻌﻠﻦ ﻟﻠﺘﻮﻏﻼت اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﺔ اﻟﺘﺮﻛﯿﺔ، واﻟﺬي أﻋلنه اﻟﺮﺋﯿﺲ رﺟﺐ طﯿﺐ أردوﻏﺎن، ھﻮ إﻧﺸﺎء ﻣﺎ ﯾﺴﻤﻰ ﺑـ ”اﻟﻤﻨﺎطﻖ اﻵﻣﻨﺔ” ﻓﻲ اﻷراﺿﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﻠﮭﺎ ﻣﻦ أﺟﻞ إﻋﺎدة ﺗﻮطﯿﻦ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻠﯿﻮن ﻻﺟﺊ ﺳﻮري ﻣﻮﺟﻮدﯾﻦ ﺣﺎﻟﯿاً ﻓﻲ ﺗﺮﻛﯿﺎ، وﯾﻌﯿﺶ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻨﮭﻢ ﻓﻲ ﺗﺮﻛﯿﺎ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات وھﻢ ﺑﺎﻷﺻﻞ ﻣﻦ ﻣﻨﺎطﻖ سورية أﺧﺮى. ﻟﻜﻦ ﻛﻤﺎ ﯾﻮﺿﺢ ھﺬا اﻟﺘﻘﺮﯾﺮ، ﻓﺈن اﻟﻤﻨﺎطﻖ اﻟﺨﺎﺿﻌﺔ ﻟﻼﺣﺘﻼل اﻟﺘﺮﻛﻲ ﻟﯿﺴﺖ آﻣﻨﺔ ﻋﻠﻰ اﻹطﻼق.
ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻏﯿﺎب ﺳﯿﺎدة اﻟﻘﺎﻧﻮن، ﺗﻌﺎﻧﻲ اﻟﻤﻨﺎطﻖ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﻠﮭﺎ ﺗﺮﻛﯿﺎ، ﻣﺜﻞ أﺟﺰاء أﺧﺮى ﻣﻦ ﺳﻮرﯾﺎ، ﻣﻦ ظﺮوف اﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ وإﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ﺳﯿﺌﺔ. طﺮد أﻋﺪاد ﻛﺒﯿﺮة ﻣﻦ اﻷﺷﺨﺎص إﻟﻰ ﻣﻨﺎطﻖ ﻟﺪﯾﮭﻢ ﺧﻮف ﺣﻘﯿﻘﻲ ﻣﻦ ﺗﻌﺮﺿﮭﻢ ﻓﯿﮭﺎ ﻟﻼﺿﻄﮭﺎد أو اﻟﺘﻌﺬﯾﺐ ﯾﻨﺘﮭﻚ اﻟﺘﺰاﻣﺎت ﺗﺮﻛﯿﺎ ﺑﻤﻮﺟﺐ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﺪوﻟﻲ ﻋﻤﻠﯿﺎت اﻟﻄﺮد وإﻋﺎدة اﻟﺘﻮطﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﻧﻄﺎق واﺳﻊ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﮭﺎ أﯾﻀﺎ أن تغير ﺑﺸﻜﻞ ﺟﺬري اﻟﺘﺮﻛﯿﺒﺔ اﻟﻌﺮﻗﯿﺔ ﻟﺸﻤﺎل ﺳﻮرﯾﺎ وھﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ أﻟﻔﺖ اﻟﺘﺤﻮﻻت اﻟﺪﯾﻤﻮﻏﺮاﻓﯿﺔ اﻟﻘﺴﺮﯾﺔ.
ﻧﻔّﺬت ﺗﺮﻛﯿﺎ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻋﻤﻠﯿﺎت إﻋﺎدة ﻗﺴﺮﯾﺔ ﻟﻼﺟﺌﯿﻦ اﻟﺴﻮرﯾﯿﻦ. ﻣﻨﺬ 2017 ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ اﻋﺘﻘﻠﺖ اﻟﻘﻮات اﻟﺘﺮﻛﯿﺔ واﺣﺘﺠﺰت ورﺣّﻠﺖ آﻻف اﻟﻼﺟﺌﯿﻦ اﻟﺴﻮرﯾﯿﻦ ﺑﺈﺟﺮاءات ﻣﻮﺟﺰة وﻛﺜﯿﺮاً ﻣﺎ أﺟﺒﺮﺗﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮﻗﯿﻊ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻤﺎرات اﻟﻌﻮدة ”اﻟﻄﻮﻋﯿﺔ” وأﺟﺒﺮﺗﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺒﻮر إﻟﻰ ﺷﻤﺎل ﺳﻮرﯾﺎ ﻋﺒﺮ ﻣﻌﺎﺑﺮ ﺣﺪودﯾﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﻲ ﯾﻮﻟﯿﻮ/ﺗﻤﻮز 2023 وﺣﺪه أﻋﺎدت ﺗﺮﻛﯿﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ 1,700 ﺳﻮري إﻟﻰ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺗﻞ أﺑﯿﺾ.
ويشير التقرير إلى أنه ”طﺎﻟﻤﺎ أن اﻹﻓﻼت ﻣﻦ اﻟﻌﻘﺎب ﻋﻠﻰ اﻻﻧﺘﮭﺎﻛﺎت اﻟﺠﺴﯿﻤﺔ واﻟﻤﻨﮭﺠﯿﺔ ﻟﺤﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن وﺟﺮاﺋﻢ اﻟﺤﺮب اﻟﻤﺤﺘﻤﻠﺔ ﺳﺎﺋﺪ ﻓﺈن آﻣﺎل اﻟﻌﻮدة ﻟﻤﺌﺎت اﻵﻻف ﻣﻦ اﻟﻨﺎزﺣﯿﻦ واﻟﻤﺤﺮوﻣﯿﻦ اﻟﺴﻮرﯾﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﻓﺮوا ﻣﻦ ﻣﻨﺎزﻟﮭﻢ أﺛﻨﺎء وﺑﻌﺪ اﻟﻌﻤﻠﯿﺎت اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﺔ اﻟﺘﺮﻛﯿﺔ اﻟﻤﺘﻌﺎﻗﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺗﺴﺘﻤر ﻓﻲ اﻟﺘﻀﺎؤل ﯾﻌﯿﺶ اﻟﻜﺜﯿﺮون ﻓﻲ ﻣﺨﯿﻤﺎت وﻣﻼﺟﺊ ﺟﻤﺎﻋﯿﺔ ﻣﻜﺘﻈﺔ ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﻧﻘﺺ اﻟﺨﺪﻣﺎت ﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ أﻧﺤﺎء ﺷﻤﺎل ﺷﺮق ﺳﻮرﯾﺎ اﻟﯿﻮم”.
يشير التقرير المطول ـ في 97 صفحة بالعربية والكردية والانكليزية ـ إلى أنّ ”فصائل من الجيش الوطني السوري والشرطة العسكرية المدعومين من تركيا مارسوا انتهاكات في مراكز الاحتجاز التي يتواجد فيها أحيانًا مسؤولون عسكريون ومخابرات أتراك، وفقًا لمعتقلين سابقين، الذين قالوا أيضًا إن المسؤولين الأتراك تورطوا أحيانًا بشكل مباشر في تعذيبهم وسوء معاملتهم”. وفي سبيل التأكد من ذلك فقد قابلت هيومن رايتس ووتش 36 شخصاً تعرضوا لانتهاكات حقوق السكن والأراضي والملكية.
سلب ونهب الممتلكات والبيوت
ومنذ عملية احتلال تركيا لعفرين عام 2018، ثم احتلالها منطقتي تل أبيض ـ رأس العين (سرى كانيه) عام 2019، نزح مئات الآلاف من سكان المنطقة من منازلهم. وفي وقت لاحق، انخرطت فصائل الجيش الوطني السوري الذي أنشأتها تركيا وموّلته قطر، في عمليات نهب وسلب واستيلاء على الممتلكات على نطاق واسع. ويظل غالبية المتضررين دون رد أو تعويض مناسب. وقال رجل إيزيدي نازح من رأس العين: ”أصعب شيء بالنسبة لي هو الوقوف أمام منزلي وعدم القدرة على الدخول إليه”. وتستمر دورة النهب والسلب والاستيلاء على الممتلكات، مما يترك أولئك الذين يتحدون هذه الأعمال عرضة للاعتقال التعسفي والاحتجاز والتعذيب والاختطاف والاختفاء القسري، فيما لا تزال المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب المحتملة في الأراضي التي تحتلها تركيا بعيدة المنال.
ووفق التقرير الذي أطلقته المنظمة من بيروت، لبنان ووفرته على موقعها، فقد حققت هيومن رايتس ووتش في حالات أربعة أشخاص رفيعي المستوى زُعم تورطهم في انتهاكات جسيمة، ولم تتم محاكمة أي منهم، ويشغل ثلاثة منهم حالياً مناصب رفيعة داخل هيكل الجيش الوطني السوري.
كما لم تقم ”المحاكم العسكرية” التابعة للجيش الوطني السوري، التي تفتقر للاستقلالية، ولا تركيا، باعتبارها قوة الاحتلال والداعم الرئيسي للجيش الوطني السوري، بالتصدي بشكل كافٍ للجرائم الخطيرة التي يرتكبها من هم في السلطة على الأراضي التي تحتلها تركيا.
كما حاولت هيومن رايتس ووتش إشراك تركيا في حوار حول هذه المسائل، وشاركت نتائج بحث مفصلة في رسالة أرسلتها مرتين عبر البريد الإلكتروني إلى وزير الخارجية حقان فيدان في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 و4 يناير/كانون الثاني 2024، لكن الرسالة قوبلت بالصمت. ولم يتم تلقي أي رد أيضاً على رسالة إلى وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 و8 يناير/كانون الثاني 2024، للاستفسار، من بين أمور أخرى، عن أي إجراءات قضائية تتعلق بأربع حالات وفاة أثناء الاحتجاز تم الإبلاغ عنها علناً.
في ذكرى احتلال عفرين
في مخيم برخدان شمالي حلب، احتشد السكان الكرد للتنديد بالغزو التركي لمدينتهم عفرين، رافضين ممارسات الجيش التركي والمجموعات المسلحة التابعة له، ومطالبين بالعودة إلى أرضهم التي هُجّروا منها منذ قرابة سبعة أعوام.
منذ بداية العملية العسكرية التركية في منطقة عفرين الكردية السورية في يناير 2018، شهدت المنطقة تغييرات ديموغرافية هائلة نتيجة للتهجير القسري والانتهاكات التي ارتكبتها القوات التركية والمجموعات المسلحة المتحالفة معها. ومنذ العملية العسكرية التركية في عفرين العام 2018 وعمليتها العسكرية في تل أبيض ـ رأس العين عام 2019، نزح مئات الآلاف من سكان المنطقة من منازلهم؛ وفي وقت لاحق، انخرطت فصائل الجيش الوطني السوري الذي أنشأته تركيا ومولته قطر، في عمليات نهب وسلب واستيلاء على الممتلكات على نطاق واسع.
أدى الغزو التركي إلى نزوح ما يقارب 300 ألف شخص من السكان الكرد في عفرين. المجموعات التابعة للقوات التركية قامت بسرقة واستيلاء على ممتلكات السكان الأصليين وتخريب المعالم الثقافية والأثرية في المنطقة. تقارير منظمات حقوقية تشير إلى ارتكاب ”جرائم حرب” وانتهاكات جسيمة ضد السكان المحليين، بهدف تغيير التركيبة السكانية وتعريب المنطقة. وترتبط الانتهاكات بسياسة تركيا لتحقيق أهدافها الجيوسياسية وتغيير التوازن الديموغرافي في المنطقة، فيما ستفضي النتائج المتوقعة من هذا التهجير القسري إلى زيادة التوترات العرقية والسياسية في المنطقة، واحتمالات اندلاع صراعات مستقبلية بين الأطراف المتصارعة.
وتتهم منظمات حقوقية القوات التركية والمجموعات التابعة لها بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات ضد الإنسانية في عفرين، بما في ذلك التهجير القسري والنهب والتدمير وانتهاكات جنسية وعنف ضد سكان المنطقة. ويعتقد أن الهدف من الهجوم التركي هو إحداث تغيير ديمغرافي في المنطقة المنطقة وقمع الوجود الكردي فيها، إذ يشار إلى أن عفرين كانت منطقة ذات هوية كردية بنسبة تتجاوز 95% من السكان قبل الغزو التركي.
ويواجه النازحون في منطقة الشهباء ـ عفرين وريف حلب ـ صعوبات إنسانية ومعيشية جسيمة، مثل نقص فرص العمل والظروف الصعبة للمعيشة، الأمر الذي يستدعي التوصل إلى اتفاق يضمن السلام في المنطقة والحفاظ على أمان المدنيين. وتحاول الأطراف المعنية التوصل إلى اتفاقات سياسية من شأنها تحرير عفرين وعودة النازحين بشكل آمن.
في وقت سابق كشف تقرير صادر عن حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا، عن قيام الدولة التركية وممثل عن رئاسة الجمهورية التركية ورئيس جامعة الزهراء، بزيارة المنطقة وذلك من أجل فتح مشاريع تعليمية دينية، وكذلك فتح دورات والقيام بأنشطة عبر جمعيات ومدارس خاصة، منها جمعية ”شباب الهدى” التي ”تروج لأفكار ”العثمانية الجديدة”، تحت مسمى ”حملة التنوير والإرشاد لتصحيح معتقدات الأهالي وأفكارهم”، في محاولات واضحة لمحو الوجود الكردي والهوية الكردية وتعريب المنطقة.
بعد سيطرة تركيا على عفرين، شنت المجموعات المسلحة التابعة لها عمليات نهب وتخريب واسعة لممتلكات المدنيين، حيث تمت سرقة السيارات والمنازل والمحال التجارية التي يملكها أهالي عفرين الذين فروا من المنطقة، وقال جعفر، وهو أحد النازحين، أكد أنه تعرض للسرقة والنهب، وأن منزله تحول إلى مقر عسكري من قبل المسلحين. إن عمليات توثيق الانتهاكات تواجه صعوبات بسبب الترهيب والتضييق الممارس من المسلحين، مما يجعل النشطاء غير قادرين على التحرك ويؤدي إلى تعتيم إعلامي، كما أن المنظمات الحقوقية تؤكد أن الانتهاكات المسجلة لا تمثل سوى جزء من الواقع بسبب هذه العوائق.
الواجبات التي تتجاهلها تركيا
وبحكم كونها قوة احتلال، فإنّ تركيا ملزمة بضمان أن تلتزم قواتها بشكل صارم بالقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك القانون الذي يحكم واجباتها كقوة احتلال وحكومة الأمر الواقع في هذه المناطق في شمال سوريا. ويشمل ذلك استعادة النظام العام والسلامة والحفاظ عليهما في الأراضي التي تحتلها، وحماية السكان من العنف، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وتقديم تعويضات لجميع ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على أيدي قواتها والقوات المحلية التي تسيطر عليها، وضمان حقوق أصحاب الأملاك والعائدين، بما في ذلك تعويضهم عن مصادرة ممتلكاتهم واستخدامها بشكل غير قانوني وأي ضرر ناتج عنها.
ويذهب التقرير إلى أنّ على تركيا والحكومة السورية المؤقتة منح هيئات التحقيق المستقلة إمكانية الوصول الفوري ودون عوائق إلى الأراضي الخاضعة لسيطرتها. ويضيف التقرير: ”لقد سهّل احتلال تركيا أجزاء من شمال سوريا خلق مناخ خارج عن القانون من الانتهاكات والإفلات من العقاب ـ إنه أبعد شيء ممكن عن [المنطقة الآمنة]”.
مقترحات وتوصيات التقرير
يقترح التقرير التدابير التالية للتحقيق في الانتهاكات والإفلات من العقاب في شمال سوريا:
1. إنشاء آليات رقابية قوية لمراقبة سلوك جميع القوات التركية والقوات المتحالفة معها والتعامل الفوري مع أي انتهاكات يتم الإبلاغ عنها.
2. محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، بما في ذلك من خلال محاكمات عادلة وشفافة.
3. تطوير وتنفيذ برنامج تعويضات لجميع ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها القوات التركية والقوات المحلية التي تسيطر عليها تركيا منذ غزوها واحتلالها لمناطق شمال سوريا. وينبغي أن تشمل التعويضات الاعتراف العلني بمعاناة الضحايا، والتعويض، وإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي والبدني، والحصول على الممتلكات واستعادتها.
وتهدف هذه الإجراءات إلى ضمان المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان وانتهاكات القانون الإنساني الدولي في شمال غرب سوريا.
يتناول التقرير كذلك عمليات الاختطاف والاعتقال التعسفي والاحتجاز غير القانوني، بما في ذلك للأطفال، والعنف الجنسي والتعذيب على أيدي مختلف فصائل الجيش الوطني السوري، والشرطة العسكرية، وهي قوة أنشئت للحد من هذه الانتهاكات، وأعضاء من الجيش الوطني السوري. القوات المسلحة التركية ووكالات الاستخبارات التركية، بما في ذلك منظمة الاستخبارات الوطنية (Milli İSTihbarat Teşkilatı, MİT) وعدد من مديريات الاستخبارات العسكرية.
ومع تزايد الدعوات إلى المساءلة، يؤكد التقرير على الحاجة الملحة لأن تلتزم تركيا بالقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وضمان سلامة السكان، وتقديم تعويضات لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان وانتهاكات قوانين الحرب.
يوثق التقرير عدة انتهاكات محددة لحقوق السكن والأرض والملكية في شمال سوريا الذي تحتله تركيا. وتشمل هذه: في الصفحات 46 وما بعد .
1. انخراط القوات التركية في إعادة توطين الأراضي الكردية
2. النهب والسلب
3. الاستيلاء على الممتلكات والابتزاز
4. جهود الاسترداد غير الفعالة وتشير هذه الانتهاكات إلى تأثير كبير على حقوق السكن والأراضي والملكية لسكان المناطق التي تحتلها تركيا في شمال سوريا.
ويوثق التقرير أيضاً: انتهاكات حقوق السكن والأراضي والملكية، بما في ذلك عمليات النهب والسلب على نطاق واسع، فضلاً عن الاستيلاء على الممتلكات والابتزاز، ويكشف الفشل الذريع لمعظم تدابير المساءلة التي تم تطبيقها في السنوات الأخيرة للحد من الانتهاكات أو لوقفها. ويطالب التقرير إلى ذلك بتقديم التعويضات للضحايا، ويقترح التقرير التدابير التالية للتحقيق في الانتهاكات والإفلات من العقاب شمال سوريا:
1- إنشاء آليات رقابية قوية لمراقبة سلوك جميع القوات التركية والقوات المتحالفة معها والتعامل الفوري مع أي انتهاكات تم الإبلاغ عنها.
2- محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، بما في ذلك من خلال محاكمات عادلة وشفافة.
3- منح هيئات التحقيق المستقلة إمكانية الوصول الفوري ودون عوائق إلى الأراضي الخاضعة لسيطرة القوات التركية والقوات المتحالفة معها.
4- تطوير وتنفيذ عملية شفافة وتشاركية، وفقًا للمعايير الدولية، لبرنامج تعويضات لجميع ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها القوات التركية والقوات المحلية الخاضعة لسيطرتها. ويجب أن تشمل التعويضات الاعتراف العلني بمعاناة الضحايا، والتعويض، وإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي، والحصول على الممتلكات واستعادتها.
5- ينبغي على تركيا والحكومة السورية المؤقتة منح هيئات التحقيق المستقلة إمكانية الوصول الفوري ودون عوائق إلى الأراضي الخاضعة لسيطرتها.
أخيراً، إننا في رابطة دار لضحايا التهجير القسري نضم صوتنا إلى كل الأصوات الحقوقية التي طالبت وتطالب بتحميل تركيا المسؤولية الكاملة عن نتائج وتبعات غزوها واحتلالها للشمال السوري ومطالبتها (وفق القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان) بتحمّل مسؤولياتها كقوة احتلال، والتأكيد على الواجبات التي تمنعها من القيام بالتغيير الديمغرافي أو التهجير القسري للسكان وإحلال سكان آخرين محلهم.